سورة إبراهيم - تفسير تفسير القرطبي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (إبراهيم)


        


{الر كِتابٌ أَنْزَلْناهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلى صِراطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ (1)}
قوله تعالى: {الر كِتابٌ أَنْزَلْناهُ إِلَيْكَ} تقدم معناه. {لِتُخْرِجَ النَّاسَ} أي بالكتاب، وهو القرآن، أي بدعائك إليه. {مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ} أي من ظلمات الكفر الضلالة والجهل إلى نور الإيمان والعلم، وهذا على التمثيل، لأن الكفر بمنزلة الظلمة، والإسلام بمنزلة النور.
وقيل: من البدعة إلى السنة، ومن الشك إلى اليقين، والمعنى متقارب. {بِإِذْنِ رَبِّهِمْ} أي بتوفيقه إياهم ولطفه بهم، والباء في {بِإِذْنِ رَبِّهِمْ} متعلقة ب {لِتُخْرِجَ} وأضيف الفعل إلى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأنه الداعي والمنذر الهادي. {إِلى صِراطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ} هو كقولك: خرجت إلى زيد العاقل الفاضل من غير واو، لأنهما شيء واحد، والله هو العزيز الذي لا مثل له ولا شبيه.
وقيل: {الْعَزِيزِ} الذي لا يغلبه غالب.
وقيل: {الْعَزِيزِ} المنيع في ملكه وسلطانه. {الْحَمِيدِ} أي المحمود بكل لسان، والممجد في كل مكان على كل حال.
وروى مقسم عن ابن عباس قال: كان قوم آمنوا بعيسى ابن مريم، وقوم كفروا به، فلما بعث محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آمن به الذين كفروا بعيسى، وكفر الذين آمنوا بعيسى، فنزلت هذه الآية، ذكره الماوردي.


{اللَّهِ الَّذِي لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَوَيْلٌ لِلْكافِرِينَ مِنْ عَذابٍ شَدِيدٍ (2) الَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ الْحَياةَ الدُّنْيا عَلَى الْآخِرَةِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَها عِوَجاً أُولئِكَ فِي ضَلالٍ بَعِيدٍ (3)}
قوله تعالى: {اللَّهِ الَّذِي لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ} أي ملكا وعبيدا واختراعا وخلقا. وقرأ نافع وابن عامر وغيرهما: {الله} بالرفع على الابتداء {الَّذِي} خبره.
وقيل: {الَّذِي} صفة، والخبر مضمر، أي الله الذي له ما في السموات وما في الأرض قادر على كل شي. الباقون بالخفض نعتا للعزيز الحميد فقدم النعت على المنعوت، كقولك: مررت بالظريف زيد.
وقيل: على البدل من {الْحَمِيدِ} وليس صفة، لأن أسم الله صار كالعلم فلا يوصف، كما لا يوصف بزيد وعمرو، بل يجوز أن يوصف به من حيث المعنى، لأن معناه أنه المنفرد بقدرة الإيجاد.
وقال أبو عمرو: والخفض على التقديم والتأخير، مجازه: إلى صراط الله العزيز الحميد الذي له ما في السموات وما في الأرض. وكان يعقوب إذا وقف على {الْحَمِيدِ} رفع، وإذا وصل خفض على النعت. قال ابن الأنباري: من خفض وقف على {وَما فِي الْأَرْضِ}. قوله تعالى: {وَوَيْلٌ لِلْكافِرِينَ مِنْ عَذابٍ شَدِيدٍ} قد تقدم معنى الويل في البقرة وقال الزجاج: هي كلمة تقال للعذاب والهلكة. {مِنْ عَذابٍ شَدِيدٍ} أي من جهنم. {الَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ الْحَياةَ الدُّنْيا} أي يختارونها على الآخرة، والكافرون يفعلون ذلك. ف {الَّذِينَ} في موضع خفض صفة لهم.
وقيل: في موضع رفع خبر ابتداء مضمر، أي هم الذين.
وقيل: {الَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ} مبتدأ وخبره. {أُولئِكَ}. وكل من آثر الدنيا وزهرتها، واستحب البقاء في نعيمها على النعيم في الآخرة، وصد عن سبيل الله- أي صرف الناس عنه وهو دين الله، الذي جاءت به الرسل، في قول ابن عباس وغيره- فهو داخل في هذه الآية، وقد قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: «إن أخوف ما أخاف على أمتي الأئمة المضلون» وهو حديث صحيح. وما أكثر ما هم في هذه الأزمان، والله المستعان.
وقيل: {يَسْتَحِبُّونَ} أي يلتمسون الدنيا من غير وجهها، لأن نعمة الله لا تلتمس إلا بطاعته دون معصيته. {وَيَبْغُونَها عِوَجاً} أي يطلبون لها زيغا وميلا لموافقة أهوائهم، وقضاء حاجاتهم وأغراضهم. والسبيل تذكر وتؤنث. والعوج بكسر العين في الدين والأمر والأرضي، وفي كل ما لم يكن قائما، وبفتح العين في كل ما كان قائما، كالحائط والرمح ونحوه، وقد تقدم في آل عمران وغيرها. {أُولئِكَ فِي ضَلالٍ بَعِيدٍ} أي ذهاب عن الحق بعيد عنه.


{وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ بِلِسانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (4)}
قوله تعالى: {وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ} أي قبلك يا محمد {إِلَّا بِلِسانِ قَوْمِهِ} أي بلغتهم، ليبينوا لهم أمر دينهم، ووحد اللسان وإن أضافه إلى القوم لأن المراد اللغة، فهي اسم جنس يقع على القليل والكثير، ولا حجة للعجم وغيرهم في هذه الآية، لأن كل من ترجم له ما جاء به النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ترجمة يفهمها لزمته الحجة، وقد قال الله تعالى: {وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً} [سبأ: 28].
وقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: «أرسل كل نبي إلى أمته بلسانها وأرسلني الله إلى كل أحمر وأسود من خلقه».
وقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: «والذي نفسي بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ثم لم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أصحاب النار». خرجه مسلم، وقد تقدم. {فَيُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ} رد على القدرية في نفوذ المشيئة، وهو مستأنف، وليس بمعطوف على {لِيُبَيِّنَ} لأن الإرسال إنما وقع للتبيين لا للإضلال. ويجوز النصب في {يضل} لأن الإرسال صار سببا للإضلال، فيكون كقوله: {لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَناً} [القصص: 8] وإنما صار الإرسال سببا للإضلال لأنهم كفروا به لما جاءهم، فصار كأنه سبب لكفرهم {هُوَالْعَزِيزُ} تقدم معناه.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8